وداعا لــــذاكر بلوش

ببالغ الحزن والأسى أخبركم عن الخسارة المأساوية لـلموظف المدني المخلص "ذاكر بلوش” الذي كان رمزا للصداقة والحب والوفاء والإخلاص. تعرض لحادث مأساوي أثناء سفره من كويتا إلى بنجغور في 12 من آب/أغسطس إذ هجم عليه المسلحون فأصيب بإصابات بالغة، ولم يتمكن من التعافي منها رغم محاولة إنقاذه، فانتقل إلى جوار رحمة ربه- غفر الله له وأسكنه فسيح جناته- وترك لنا وراءه إرثا من الحب والأخوة والشعور العميق بالمسؤولية. أنا أحد البلوش أتشرف كوني أحد أصدقاءه منذ ما كنا طلابا وبينما أكتب أسطر هذه الرسالة أجدني راغبا في أن أشارككم نبذة من حياة بطلنا الذي سيظل معنا ويبعث فينا روح الجهد المتواصل والتفاني.

ذاكر بلوش، من مواليد سنغانيسار تربت، ينتمي إلى أسرة من الطبقة المتوسطة تعرف بإنجازاتها التعليمية. كان من أحلام واهتمام والديه أن يتقدم أولادهما في مجال التعليم وقد حقق الله لهما أن يكون ولدهما ذاكر-من بين الأولاد الأربعة- متفوقا منذ صغره في الأكاديمات بشكل مثير ، بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة في تربت، حصل على المركز الأول في امتحانات الثانوية الخاصة وحاز على منحة لدراسة الهندسة في تخصص البترول والغاز في جامعة الهندسة والتكنولوجيا (UET) لاهور. وبعد التخرج من هناك أبدى استعداده لاختبار الخدمات العليا المركزية (CSS). ولم ينجح في هذا الاختبار خلال المحاولتين، لكن عزمه لم يتزعزع فتابع مسير جهده وتأهل لــــهيئة الخدمة العامة في بلوشستان (BPSC) عام 2017، وتم تعيينه كمفوض مساعد. تزوج في نفس العام ورزق ببنتين؛ ماهيكان ومرواريد، واللتين تواجهان الآن مصاعب الحياة بدون جناحي أب حنون.

بعد حصوله على شهادة الهندسة، عمل ذاكر بلوش لفترة وجيزة مع شركة شلمبرجير باكستان قبل أن ينضم إلى الجمارك الباكستانية كمثمن في عام 2016. وبعد مرور عام، أصبح مفوضًا مساعدًا عن طريق هيئة الخدمة العامة في بلوشستان، وأول تعيينه كان في منطقة "دوريجي”، بمديرية "لَسْبيلا” ثم عمل في منطقة "بسيمة” بمديرية "واشوك”، وبعد ذلك أصبح نائب المفوض الإضافي في جوادار، حيث ساهم في مشاريع الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني. بعد ترقيته، تم تعيينه كنائب المفوض بمديرية قلعة عبد الله، وكان آخر تعيين له كنائب المفوض في بنجغور.

ذكرى ذاكر خالدة في قلوبنا، مجسدة كلمات قصيدة ماري إليزابيث فراي: "لا تقف عند قبري باكيا، فأنا لست هناك، ولم أمت”. ومع ذلك، من المؤلم جدا أن نشهد استغلال وفاته من قبل أولئك الذين يسعون إلى الفوضى من خلال تأجيج مشاعر القومية الفرعية والعنصرية ونشر المعلومات المضللة. وعملهم هذا لا يبدي التعاطف مع الحزن الكبير الذي يشعر به والداه والمصاعب التي تمر بها أرملته وأولاده. وعندما رفض جيش تحرير بلوشستان حِمْل مسؤوليته عن مقتل ذاكر، لجأ مهرانج بلوش وآخرون من لجنة التضامن البلوشية (BYC) إلى وسائل التواصل الاجتماعي وقاموا بتحريف الرواية لخدمة مصالح المنظمات الإرهابية، وإلقاء اللوم كذبًا على مؤسسات الدولة في اغتياله، ووصفها بأنها جزء مما- تسمى "الإبادة الجماعية البلوشية”. على الرغم من عدد لا يحصى من الأرواح البلوشية البريئة التي فقدت على أيدي مجموعات مثل جيش تحرير بلوشستان (BLA) على مدى العقدين الماضيين – والتي استهدفت المعلمين والأطباء وموظفي الخدمة المدنية وغيرهم – فإن ما يسمى بالقوميين الفرعيين يظلون صامتين بشأن هذه الفظائع. بينما يقوم البعض بتلاعب الوضع وتشويه ذكرى الشخصيات المشرفة مثل ذاكر بلوش، الذي قدم جهوداً صادقة في خدمة شعب بلوشستان. يجب أن تكون السياسة وسيلة لتحقيق التقدم، لكن استغلال وفاة ذاكر المأساوية لتحقيق أهداف خبيثة يعد عملاً لا يغتفر.

 

دعونا نكرم إرثه برفض استغلال وفاته لزرع النزاع والشقاق، ونعمل على التمسك بالقيم التي كان يعتز بها. تغمده الله بواسع رحمته وعظيم غفرانه، آمين.